الموقف الرسمي
الرئيسية » أقلام وآراء » رجا:لأن الفلسطينيين لا يملكون ميداناً للتحرير

رجا:لأن الفلسطينيين لا يملكون ميداناً للتحرير

 

يشعر الفلسطينيون بغصة ومرارة وهم يشاهدون انتصار الثورات الشعبية من حولهم رغم أنهم الأكثر فرحاً بين الشعوب العربية لانتصار ثورتي تونس ومصر نظراً لما سيترتب عليهما من نتائج مستقبلية تصب في مصلحة القضية الفلسطينية إلا أن هذه الفرحة تشوبها غصة مبعثها سؤال فيه من الحيرة والارتباك الشيء الكثير.. سؤال ملخصه ولماذا نحن لا..؟ لماذا ما زلنا ننتظر؟ فالشعب الفلسطيني ومنذ قرن من الزمن قدم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى لكن فرحة الانتصار ما زالت مؤجلة ويكاد الفلسطيني يغرق بالإحباط، فكلما شعر أنه فتح باباً للنصر سرعان ما أغلقت عليه بوابات وأقيمت في وجهه الحواجز المادية والسياسية. انور رجاالانجازات التي حققتها الثورة الفلسطينية المعاصرة في مرحلة المد والصمود الثوري الوطني والقومي منذ أواسط الستينيات وحتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي وبدل أن توظف في تمكين حركة التحرر الفلسطينية من أهدافها فقد استثمرت في لعبة المفاوضات المبكرة التي أوصلت إلى مربع السلطة الضيق في رام الله، فكان أن أجهضت انتفاضات الشعب الفلسطيني من الانتفاضة الأولى عام 1917 إلى انتفاضة الأقصى عام 2000 ورصَّد دم الشهداء واستغل بطريقة مهينة ليلعب به كورقة على طاولة التفاوض السياسي والأمني التي آخر فصولها المعلنة ما كشفته قناة الجزيرة من وثائق مست كل ثوابت الحق الفلسطيني. هنا يبرز السؤال الكبير من يحمي الحقوق الفلسطينية، وينقذها من العبث والتفريط؟ من يحفظ للشعب الفلسطيني كرامته التي يهدرها نفر من الفلسطينيين باسم ثقافة الاشتباك السياسي مع الإسرائيليين، حيث لا يجد هذا النفر من دعاة المفاوضات (والمقاومة السلمية) حرجاً في الادعاء بأنهم يمثلون الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يبيعون للصهاينة تاريخ الشعب الفلسطيني، ويجهزون على هويته وحقه في العودة إلى وطنه ودياره وتحرير أرضه؟ يحق لمن لا يعيش تفاصيل الحالة الفلسطينية من الداخل أن يقول: وماذا ينتظر الشعب الفلسطيني ليثور على واقعه هذا ويخلع المفرطين بحقوقه؟ ولعل السؤال المربك الذي ينهال على ظهر الفلسطينيين مثل السياط هو السؤال عن وحدة الصف دون قراءة تعقيدات المشهد والتباساته، فيأخذ السؤال طابع التمنيات والرجاء، ويحمل في طياته الكثير من العتب، وأحياناً من التجريح عندما توضع القوى الفلسطينية كافة في سلة المسؤولية الواحدة دون عناء البحث في أسباب استحالة تحقيق وحدة وطنية مع طرف غادر البرنامج الوطني وتساوق مع الاحتلال وأصبح مبرر وجوده واستمراره ومصدر قوته مرتبط بالاحتلال نفسه. ولخطورة السؤال عن أسباب عدم قيام وحدة وطنية فلسطينية، وعن الدعوات المكثفة لإنهاء الانقسام الفلسطيني التي لا تأخذ بأسباب هذا الانقسام، فقد نشأ ما يمكن تسميته (فوبيا الانقسام) ما زرع التردد في مواقف فصائل المقاومة وجعلها تبدو عاجزة عن حسم أمرها في نبذ وإقصاء من أجهزوا على الوحدة الوطنية عبر نسفهم لمفاهيم وأسس حركة التحرر الوطني الفلسطينية بعد أن غرقوا في وهم السلطة الموعودة أميركياً.. ذلك التردد في حسم الأمور في داخل البيت الفلسطيني والتلكؤ في الدفاع عن خيار الشعب وكرامته المهدورة على طاولات المفاوضات أدى إلى إغراق الساحة بالعموميات وأصبحنا نعيش حفلة مفتوحة للعلاقات العامة عبر الحديث عن مصالحة فلسطينية معلقة بالهواء ما أدى عملياً إلى إخراج المواطن الفلسطيني من معادلة الرأي والموقف وصنع القرار، وزاد الأمر تعقيداً مع إضاعة الوقت في لعبة شد الحبال والمناورة مع ضغوط الجغرافيا السياسية التي لعبها النظام المصري المخلوع بشكل من بوابة التهديد والوعيد والاستمرار بحصار غزة. أما وقد حدث المتغير الإستراتيجي في الساحة المصرية، فقد سقطت عقبة الجغرافيا الضاغطة على فصائل المقاومة وبشكل خاص على حركة حماس. لقد شكلت تلك الجغرافيا حضناً ومظلة أمان لسلطة أوسلو وعليه فإن وقت الخروج من عنق الزجاجة والتقاط اللحظة التاريخية فرض نفسه بقوة على قوى (المعارضة) الفلسطينية كي تمارس فعلاً هو بمنزلة (فرض عين) بعد أن سقطت كل الذرائع التي وسمت مسار حركتها بالتردد والانتظار والحسابات الدقيقة المملة بتفاصيلها، ووجب على فصائل المقاومة (المعارضة) لسلطة رام اللـه وعلى رأسها محمود عباس أن تستجيب لنداء وكرامة الشعب الفلسطيني الذي ينادي ومن قلبه وعقله ويقول الشعب يريد إسقاط سلطة أوسلو ورموزها والعودة إلى نهج المقاومة وثقافتها. ولأن الشعب الفلسطيني قبل أن تنصب عليه قيادات باسم الشرعية الثورية وقدم الشهداء عبر أطرها فمن حق هذا الشعب أن يسأل وخاصة في أعقاب اللحظة التاريخية التي هبت رياحها من تونس والقاهرة ومناخ الثورة الشعبية العربية المتصاعدة.. وماذا عنا؟ هل نكتفي بالتصفيق للثورات الشعبية التي كنست رموز القهر والفساد والتبعية لأميركا.. المتحالفة مع الكيان الصهيوني؟ وماذا عن حالنا وعن الذين يتحكمون زوراً بقرار الشعب الفلسطيني ومستقبله ومصيره؟ تلك الأسئلة كان يمكن تجاوزها لو أن للشعب الفلسطيني (ميداناً للتحرير) يتظاهر فيه ويثور مطالباً بإسقاط المتسلقين على ثورته وثروته.. والمفرطين بحقوقه التاريخية. لو أن الشعب الفلسطيني يقيم فوق أرضه، وليس في شتات الجغرافيا بتعقيداتها السياسية وتباعد المسافات بينها.. لكان فعلها وأسقط رموز الدكتاتورية الفلسطينية المستسلمة. لو أن لشعب فلسطين دولة لها كل مقومات الدولة السيادية لكان هب هبة رجل واحد وفعلها وأرسى معالم الدولة الديمقراطية الحرة. ومؤكد أننا نظلم أهلنا في الضفة الغربية الذين يعانون من الاحتلال الصهيوني، ومن الاعتقال السياسي لإراداتهم من سلطة أوسلو حين نطالبهم بأن يأخذوا على عاتقهم الانتفاضة في وجه سلطة أوسلو. إن التقاط اللحظة التاريخية ليس فناً بحاجة إلى من يتدرب عليه ليتقنه، بل هو تعبير عن قوة إرادة سياسية واعية ومبصرة لمعنى الدور والمسؤولية، فمن حق شعبنا على من يحكم ويرسم وينطق باسمه أن يزيل الصدأ والسخام عن وجه مرحلة طالت وامتدت فصولها وأن يبادر إلى الحجر السياسي على سلطة أوسلو ورموزها حتى لا تتلاشى وتبهت – مع مرور الوقت – الألوان من الخريطة الفلسطينية وتدخل في اللون الرمادي.. آنذاك لن يعجز الشعب الفلسطيني عن صياغة ميدان للتحرير على طريقته الخاصة ويجترح مخرجاً من قلب تعقيدات ظروفه الاستثنائية متجاوزاً بذلك الفصائل كلها.

انور رجا ابو خالد

تابعنا على تلجرام

اضف رد

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
آخر الأخبار